احلى المنتديات منتدى الزارات
مرحبا بك فى احلى المنتديات منتدى الزارات

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

احلى المنتديات منتدى الزارات
مرحبا بك فى احلى المنتديات منتدى الزارات
احلى المنتديات منتدى الزارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفلسفة للشعب العلمية (تونس)الجزء 2

اذهب الى الأسفل

الفلسفة للشعب العلمية (تونس)الجزء 2 Empty الفلسفة للشعب العلمية (تونس)الجزء 2

مُساهمة  Admin الثلاثاء فبراير 23, 2010 11:47 am

معرفة الغير


هل يمكن معرفة الغير؟ وإذا افترضنا أن معرفة الغير ممكنة، فكيف يتسنى لنا ذلك ؟
ما الذي يجعل هذا السؤال مشروعا من الناحية الفلسفية؟ أو بعبارة أخرى، ما
الذي يجعل كل محاولة لمعرفة الغير تصطدم بمشكلات كبيرة ؟ لماذا يكون من
الصعب معرفة الغير؟ ربما ارتبطت الصعوبة بكيفية تصورنا لطبيعة وجوده. إن
القول بإمكانية معرفة الغير أو باستحالة معرفته يتوقف بالدرجة الأولى على
تصوراتنا لكيفية وجوده في العالم: هل هو ذات مفكرة، أنا آخر يتمتع بالوعي
والإرادة أم أنه موضوع من الموضوعات؟ وتختلف تصورات الفلاسفة لطبيعة وجود
الغير حسب زوايا نظرهم إلى الإنسان بصفة عامة وإلى وجود الأنا بصفة خاصة.
والحقيقة أن إشكالية وجود الغير ومعرفته لم تطرح بشكل جدي إلا في العصر
الحديث ابتداء من ديكارت بالخصوص. وأما ما جعل هذه الإشكالية تفرض نفسها
على المفكرين من بعده بقوة فهو قوله أن الحقيقة البديهية الأولى التي تدرك
بشكل فوري ومباشر فهي حقيقة الكوجيطو: "أنا أفكر، إذن أنا موجود"، وهنا
برزت الأنا لأول مرة باعتبارها الحقيقة اليقينية الأولى، أما الأشياء
الأخرى والآخرون فإن وجوهم غير يقيني، بمعنى أنه لا يوجد دليل قاطع على أن
لها وجود فعلي، فقد نشكل أفكارا عنها، ولكننا لا ندري ما إذا كان وجودها
الفعلي هو ما ندركه بشكل مباشر. وهكذا فإذا كان إدراك الأنا قد تم بشكل
مباشر وبديهي، فإن إدراك الغير هو إدراك غير مباشر وغير يقيني.
ومما يترتب عن ذلك أيضا أن وجود الغير ليس ضروريا لوجود الأنا في نظر
ديكارت؛ فالأنا هي ذات مفكرة مكتفية بذاتها، تستمد وجودها من ذاتها، ولا
يتوقف وجودها على وجود غيرها، إنها المطلق. وبهذا يكون ديكارت قد انزلق
إلى براثن النزعة الفردانية solipsisme التي تقول بأن الذات المفكرة توجد
بمعزل عن وجود الآخرين في العالم. كل فرد، من وجهة النظر هذه يشكل عالما
خاصا منغلقا على ذاته. وما يترتب عن ذلك استحالة التواصل مع الغير ومعرفة
عوالمه الداخلية. كل ما يمكن معرفته منه هي مظاهره الخارجية، ومما يدل على
ذلك قول ديكارت في تأملاته الميتافيزيقية الثانية:
"إذا حصل أن شاهدت بمحض الصدفة رجالا يمرون في الشارع، فلا يفوتني القول
عند رؤيتهم إنني أرى رجالا، تماما مثل قولي: إنني أرى شمعا؛ ومع ذلك، ما
عساي أن أرى من خلال هذه النافذة غير قبعات ومعاطف ربما تغطي أشباحا أو
كائنات اصطناعية على هيئة رجال تحركهم دواليب. لكنني أجزم بأنهم أناس
حقيقيون. وهكذا أفهم بفضل القدرة على الحكم وحدها، التي ينطوي عليها عقلي،
ما كنت أعتقد أني أراه بأم عيني"
يدل هذا النص على أن ديكارت يشك في وجود الغير بوصفه ذاتا مفكرة واعية، فهو يرى القبعات والمعاطف ويحكم جازما
بأنهم أناس، ولكنه لا يدري على سبيل اليقين ما إذا كانت تلك الهياكل أو
الأجساد التي يراها تنطوي في داخلها على حياة شعورية ووعي. إن الإدراك
الحسي المباشر لا يخبره بوجود الوعي فيما يراه، ولكن، بإمكانه أن يفترض
ويستنتج من خلال نوع من الاستدلال العقلي وجود الوعي في تلك الأجسام، أو
أن يصدر حكما ويقرر جازما أن ما يراه كائنات إنسانية تتميز مثله بالوعي
والإرادة. ولكنه لا يدرك هذه الحالات إدراكا فوريا مباشرا مثلما يدرك
حالاته الشعورية، بل يدركها بشكل غير مباشر وعبر وسيط (الاستدلال). وهكذا،
فعندما أرى أجساما تكسوها جلاليب أو قبعات ومعاطف أعلم أن وراءها حياة
شعورية ووعيا. إن هذا النوع من الاستدلال يوحي بوجود حياة داخلية خلف جسد
الغير، ولكنه لا يمكنني من إدراكها بشكل مباشر ومن معرفة طبيعتها الخاصة.
وإذا نظرنا إلى الإشكالية المطروحة في ضوء النص السابق، الذي يلخص وجهة نظر ديكارت، فسنجد أنفسنا أمام احتمالين اثنين:
إما أن معرفة الغير لا يمكن أن تتجاوز المظاهر التي تبدو منه للعيان
(خصائص الجسد وسماته الفيزيولوجية)؛ وإما أن معرفته يمكن أن تتحقق بواسطة
نوع خاص من القياس وهو الاستدلال بالمماثلة الذي لا يوظف العمليات العقلية
كوسائط، وإنما يطمح إلى إدراك الحياة الشعورية للغير بشكل فوري ومباشر،
وهو النهج الذي سار عليه هوسرل للدفاع عن أطروحته التي تعتبر امتدادا
وتطويرا للحل الذي اهتدى إليه ديكارت لتجاوز النزعة الفردانية التي أوقعه
فيها الكوجيطو. تتلخص أطروحة هوسرل في إمكانية التوصل إلى معرفة الحياة
الداخلية للغير انطلاقا من تجاربنا الشخصية في الحياة.
يرى هوسرل أن معرفة الغير لا تمر عبر وسائط البرهان العقلي كما يعتقد
ديكارت، بل تنطلق من إدراك الجسد؛ ذلك لأن الغير يقدم نفسه كجسد ويتجلى من
خلاله؛ فعندما أرى جسد الغير أفهم تعبيرات ملامحه في ضوء تجربتي مع جسدي
الذي هو المحل الذي تجري فيه وقائع حياتي الشعورية، ويحصل لي اليقين على
الفور بأن الجسد الماثل أمامي ينطوي في أحشائه على حياة شعورية داخلية.
فإن رأيت احمرارا على وجنتيه أدركت على الفور أنه يعاني من الشعور بالخجل،
لأنني مررت بهذه التجربة الشعورية في السابق وكان لها نفس الأثر على وجهي
باديا للعيان. لقد أدركت ذلك على الفور عن طريق ما يسمى بالاستدلال
بالمماثلة. يشتغل هذا النوع من الاستدلال على النحو التالي:
1. أنطلق من نفسي، فألاحظ وجود علاقة بين جسدي وبين تجاربي الشعورية وحالات الوعي التي أمر بها؛
2. ألاحظ وجود تشابه بين جسمي وجسم الغير؛
3. استنتج وجود حياة شعورية ووعي في جسد الغير، ووجود علاقة بين جسده ووعيه.
فبواسطة هذا الاستدلال يمكنني أن أستنتج من قسمات وجه الغير وسماته
الفيزيولوجية حالاته النفسية أو الشعورية بشكل مباشر، لأن أسلوب الاستدلال
المعتمد يقوم المقارنة التلقائية غير المفكر فيها (=لا تستخدم العمليات
العقلية المجرد) بين أحوال جسدي وأحوال جسد الغير. والدليل على أن هذا
النوع من الاستدلال لا يعتمد على العمليات العقلية المجردة هو أن الطفل
الصغير يمتلك القدرة على إدراك التجارب الشعورية للآخرين بشكل تلقائي وفقا
لطريقة الاستدلال بالمماثلة. وما يأخذ على هذا المنهج هو أنه جعل من الأنا
المرجع الذي تقاس عليه أحوال الغير، ويكون من السهل أن يسقط الفرد حالاته
الشعورية على الغير. هذا بالإضافة إلى أن الغير كما يتبدى في ضوء هذا
المنهج هو الغير كما أتصوره أنا وليس الغير كما يتصور نفسه، فله عندي
دلالة خاصة قد تختلف عن الدلالة التي يضفيها هو على وجوده.
ولتجاوز هذه الصعوبة اقترح سارتر منهجا آخر يقوم على تصور مختلف لحقيقة
الغير بوصفه أنا آخر. إن حقيقة الغير، في نظره، ليست من جملة الحقائق
الباطنية المستغلقة على الفهم والملاحظة، بل هي قضية أحوال لها تمظهرات
شتى عبر سيرورة الحياة، تتجلى من خلال سلوكاته، وكيفية تنظيم مجالات حياته
وهيكلة محيطه وبشكل يجعله يحمل بصمات تجاربه الشعورية كالخوف والقلق وما
إلى ذلك، بحيث يمكن القول إن التجارب الشعورية للغير تلون عالمه وسلوكاته
وتصرفاتها.

التحليل الفينومينولوجي لظواهر الوعي والأنا والغير
في فلسفة سارتر
أحمد أغبال

كيف يتحدد مفهوم الوعي ومفهوم الأنا في فلسفة سارتر؟ وما نوع العلاقة
بينهما؟ وكيف تتحدد العلاقة بين الأنا والغير في إطار هذه الفلسفة؟ سوف
نتطرق في لحظة أولى إلى هذه القضايا في ضوء نظرية الفيلسوف الفرنسي جون
بول سارتر المبسوطة في كتابه الموسوم بـ"تعالي الأنا" ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])ثم نقوم في لحظة ثانية برصد تطور مواقفه من مسألة الغيرية في أعماله المتأخرة التي تناول فيها قضايا الخيال والصور الفنية.
1. مفهوم الأنا المتعالي في فلسفة سارتر
يعتبر كتاب "تعالي الأنا" محاولة لوصف وتحليل ظواهر الوعي والوقائع
الجوانية من وجهة نظر فينومينولوجية. ويهدف إلى بيان ما إذا كان الأنا
ظاهرة من ظواهر الوعي ذاته كما هو الحال بالنسبة لكل من ديكارت وكانط
وهوسرل، أم أنه موضوع من موضوعات العالم كالأشجار والكراسي وما إلى ذلك.
وأما أطروحته الأساسية في هذا المجال فتتمثل في جوابه عن السؤال: "من أنا
؟" أو بعبارة أخرى: ما هي طبيعة أناي؟ وقبل أن يقدم أطروحته التي تمثل
جوابه على هذا السؤال استهل كتابه بنقد تصورات بعض الفلاسفة من أمثال
هوسرل وكانط وديكارت للأنا. نقرأ في مقدمة الكتاب:
"إن
الأنا بالنسبة لمعظم الفلاسفة "كائن يسكن" الوعي. ويدعي بعضهم أن له حضور
شكلي في صميم تجربة الحياة كمبدأ فارغ للتوحيد [= يؤدي وظيفة التوحيد أو
التركيب]. ويدعي آخرون – وهم في الغالب الأعم من علماء النفس – أنهم
اكتشفوا حضوره المادي في كل لحظة من لحظات حياتنا النفسية بوصفه مركز
الرغبات والأفعال. ونود أن نبين هنا أن الأنا لا يوجد في الوعي لا شكلا
ولا مضمونا، بل في الخارج، في العالم؛ إنه كائن من كائنات العالم، تماما
مثل ما هو الحال بالنسبة لأنا الغير"

تلخص هذه الفقرة مآخذ سارتر
على الفلاسفة والمفكرين الذين يقولون بأن الأنا المتعالية هي المبدأ
الشكلي الضروري لنشاط الوعي، وهي الأطروحة التي تبناها كل من كانط وهوسرل،
كما أنه رفض الأطروحة التي تقول بأن الأنا المتعالي توجد على مستوى نشاط
الوعي والتفكير، في أحضان الذات المفكرة، وهي الأطروحة التي نجدها عند كل
من ديكارت وهوسرل. وبعد أن عبر عن موقفه الرافض لهاتين الأطروحتين قدم
بديلا عنها، وهو أطروحته التي تقول: إن الأنا بطبيعته وتكوينه متعالي عن
الوعي. وقبل أن نستعرض تفاصيل هده الأطروحة ومبرراتها وما يترتب عنها،
دعونا نستعرض أهم مآخذ سارتر على الأطروحات السابقة.
يقول هوسرل: إن الوعي هو دائما وعي بشيء ما، فهو يتجه دائما نحو موضوع ما
ويكشف عنه، مثله في ذلك مثل شعاع الضوء، يسقط على الأجسام فتتجلى للناظر
إليها. توحي هذه الفكرة، إذا نظرنا إليها من وجهة نظر سارتر، بأن وراء كل
وعي "بنية وعي ضرورية" تنير بأشعتها الظواهر الموجودة في الحقل الذي يتجه
إليه الانتباه (=القصدية). وهكذا تكتسي بنية الوعي الضرورية أو الأنا
المتعالية طابعا خاصا وتصبح شخصية بالكامل. ومن هنا كان تساؤل سارت: هل
كان من الضروري أن يلجأ هوسرل إلى هذا المفهوم؟ وهل ينسجم مع تعريفه
للوعي؟ وكان جوابه طبعا بالسلب. وإنما اعترض سارتر على تصور هوسرل للأنا
المتعالية بدعوى أن إدراج "بنية الوعي الضرورية" في العالم المتعالي سيؤدي
إلى فساده من خلال حدوث شرخ في الوعي وانقسامه على نفسه؛ وسيؤدي الأنا
المتعالي بذلك في اعتقاده إلى موت الوعي. وإنما أراد سارتر بنقده لهذه
الأطروحة أن يفرغ الوعي من أي محتوى ليجعله شفافا ولاشخصيا.
وأما القول بأن الأنا المتعالية هي الشرط الشكلي الضروري لقيام الوحدة
وبناء التركيبات، فهو قول مردود في نظر سارتر: إن الأنا المتعالية ليست
الشرط الضروري الذي يضمن وحدة الوعي وتفرده، بل، وعلى العكس من ذلك، فإن
وحدة الوعي هي التي تقف خلف تشكل الأنا. فالأنا الذي نصادفه على مستوى
الوعي إنما يعبر عن الوحدة التركيبية لتمثلاتنا، تلك التركيبة التي تنصهر
فيها وتتوحد مختلف أبعاد الوعي ومكوناته على نحو مخصوص، وهذا ما يجعل من
الممكن التمييز بين "وعي" وآخر، بين حياة الوعي لدى زيد وحياة الوعي لدى
عمر. فلابد أن يكون هناك خيط رابط يوحد بين مكونات الوعي لدى زيد ويمنح
لوعيه خصوصية تميزه عن عمر.
حاول سارتر الدفاع عن أطروحته تلك في كتابه "تعالي الأنا" الذي يمثل بداية
قطيعته مع هوسرل؛ ولكن الحلول التي اقترحها لمسألة العلاقة بين الوعي
والأنا ومسألة الغيرية ظلت محدودة وغير مكتملة حسب تقديرات المحللين،
ولعلها كانت مشاريع حلول أو حلول تجريبية، وربما كان سارتر على وعي تام
بذلك قبل أن يتداول فيه المحللون؛ لاشك في أنه كان ينظر إليها على أنها
حلول مؤقتة لإشكالات عويصة كما يوحي بذلك العنوان الفرعي للكتاب(*)؛ يفهم
من هذا العنوان على أن الكتاب ليس أكثر من خطاطة عامة تمثل الخطوط العريضة
لمشروع بعيد المدى يهدف، من بين ما يهدف إليه، إلى الكشف عن طبيعة الوعي،
والمبدأ الذي تقوم عليه وحدته وتفرده، وعلاقته بالأنا وبالغير.
ففيما يتعلق بوحدة الوعي، يرى سارتر أن في كل لحظة من لحظات الوعي، أي
عندما نكون أمام موضوع ما، فإنه من الضروري أن تتوحد عمليات الوعي في
مواجهتنا لذلك الموضوع؛ فعندما يعض زيد تفاحة، فإن جميع عناصر الإدراك من
خشخشة وطعم ورائحة وما إلى ذلك يكون لها حينئذ حضور في وعي واحد متفرد هو
وعي زيد. فما الذي يمنح لوعي زيد وحدته ويجعل المدركات تنصهر فيه في إطار
تركيبة متميزة ؟ لو طرحتا هذا السؤال على كانط لأجاب: إنه الأنا المتعالي؛
ويرى سارتر على العكس من ذلك بأن الوعي يستمد وحدته من الموضوع لا من
الأنا المتعالي، وهو ما عبر عنه بقوله: "إن وحدة الوعي توجد على مستوى
الموضوع". إن الوحدة التي يشير إليها سارتر هنا هي وحدة "المئات من أنواع
الوعي النشيطة" التي ينصب اهتمامها على نفس الموضوع. وترتبط هذه الوحدة
بالمستوى المتعالي من الموضوع الذي يتجه إليه الانتباه. والمقصود بتعالي
الموضوع هنا امتداده إلى ما وراء التجربة الراهنة في اتجاه الماضي
والمستقبل، حيث أصبحت مظاهره الآنية تتوحد بمظاهره في الزمن الماضي
والمستقبل. إن الموضوع الذي يتجاوز لحظته بمظاهره العابرة للأزمان هو
موضوع متعالي أو ذو وحدة متعالية؛ وبناء على ذلك يمكن القول بأن وحدة
الوعي ليست شيئا آخر غير الوعي بتلك الوحدة المتعالية، إنها الوعي الخالص،
ذلك الوعي الذي تم تطهيره من شوائب الأنا أو بنيته ليصبح مجرد علاقة فارغة
بالوحدة المتعالية لموضوعه. ولكن، ما الذي يضمن استمرار وحدة الوعي عبر
الزمن ؟
للإجابة على هذا السؤال لجأ سارتر إلى مفهوم الوعي الزمني conscience
temporelle الذي استعاره عن هوسرل والذي يدل على أبعاد الوعي الثلاث في
علاقته بالزمن، وهي:
القصد intention ويعني في نفس الوقت الاتجاه المفرغ/المحايد نحو موضوع ما
(موضوع القصد objetintentionnel) والفعل الذي يضفي المعاني والدلالات على
ذلك الموضوع؛
التوجه القصدي نحو المستقبل protentionوهو نوع من التوقع المرتبط باللحظة
الراهنة ارتباطا جوهريا ويستبق الأحداث قبل وقوعها. فعندما تسمع نوطة
موسيقية، فإنها لا تصبح جزءا من معزوفة في وعيك إلا إذا تلتها نوطات أخرى،
وكنت تتوقع سماعها على نحو ما. فالتوقع هو جزء من إدراك النوطة بوصفها جزء
لا يتجزأ من المعزوفة.
التذكر rétention، وهو استحضار وقائع الماضي الفوري في الوعي، فكما أن
النوطة لا تعتبر جزءا من معزوفة إلا بتوفر شرط القدرة على توقع ما يليها،
كذلك لا بمكن إدراكها بوصفها جزءا من المعزوفة إلا إذا توفرت القدرة على
استحضار النوطات التي سبقتها على الفور. وفي حال عدم توفر هذا الشرط
فسيكون من المستحيل إدراك ما يجري في الزمن.
وهكذا، وبالعودة إلى مفهوم الوعي الزمني أو القصدية ذات الأبعاد الزمنية
الثلاث يكون سارتر قد وجد لأطروحته حول وحدة الوعي دعامة قوية. يقوم هذا
الدليل على مصادرة أساسية مفادها أن الزمن الداخلي يتألف في الواقع من عدة
لحظات مبثوثة فيه بشكل ضمني. والمقصود بذلك أن كل وعي ينطوي في ذاته على
الوعي بالماضي الفوري في علاقته بالوعي بما يجري في اللحظة الراهنة
وامتداداته نحو المستقبل. وهكذا تتحقق وحدة الوعي دونما حاجة إلى وجود
الأنا المتعالي الذي يعتبره هوسرل وكانط الشرط الضروري لقيام تلك الوحدة.
Admin
Admin
Admin

رقم العضوية : 01
عدد المساهمات : 3316
تاريخ التسجيل : 19/12/2009
العمر : 68

https://zarat.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى